الحرب الخفية- إسرائيل واختراق الاتصالات لكشف الأعداء

المؤلف: محمد مفتي11.20.2025
الحرب الخفية- إسرائيل واختراق الاتصالات لكشف الأعداء

مما لا شك فيه أن فهمنا لحقائق الحروب وتعقيداتها لا يمكن أن يقتصر فقط على ما تنقله وسائل الإعلام، فأهداف هذه الصراعات وكيفية إدارتها قد تختلف بشكل كبير عما تعلنه الأطراف المشاركة في النزاع للعلن، فبالنظر إلى الحرب الدائرة حاليًا بين إسرائيل وحماس ووكلائهما مثل حزب الله والحوثيين، نجد أن الغموض يلف جوانب عديدة من هذا الصراع، وتثير أحداثه تساؤلات جمة، ليس فقط حول الأهداف المعلنة، بل أيضًا حول الاستراتيجيات التي تتبعها الأطراف المتنازعة.

من البديهي القول بأن أي طرف يسعى للانتصار في حرب ما، أو على الأقل تحقيق أهدافه المرسومة، يجب أن يدير معركته بأقصى درجات السرية والكتمان، وذلك بهدف حرمان الطرف الآخر من معرفة تحركاته وخططه، وبالتالي إفشالها وتحويل مسار المعركة من نصر محتمل إلى هزيمة منكرة، والواقع يشير إلى أن الضربات التي تشنها إسرائيل ضد خصومها المتنوعين، سواء ضد إيران مباشرة أو حزب الله أو حماس أو حتى الحوثيين، تعكس صورة وكأن إسرائيل تقرأ أفكارهم وتتعامل معهم وكأنهم كتاب مفتوح، فهي على ما يبدو تمتلك معلومات دقيقة للغاية عن تحركاتهم وتفاصيلهم الداخلية، مما يمكنها من توجيه ضربات موجعة ومؤثرة.

منذ اندلاع أحداث السابع من أكتوبر عام 2023 وحتى يومنا هذا، مرت أحداث جسام يصعب حصرها وتحليلها بشكل كامل في هذه المساحة المحدودة، ولكننا سنستعرض بعض الأمثلة للضربات التي وجهتها إسرائيل لخصومها، والتي حققت من خلالها أهدافًا أثارت الكثير من التساؤلات، ففي الحادي والثلاثين من يوليو من هذا العام، تم اغتيال إسماعيل هنية في طهران أثناء زيارته للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، ومن المعروف أن هنية يعتبر من ألد أعداء إسرائيل، وبالتالي يفترض أن تكون تحركاته محاطة بسرية تامة، وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تعلن مسؤوليتها صراحة عن عملية الاغتيال، إلا أن أصابع الاتهام تشير إليها بشكل قاطع.

لقد تمكنت إسرائيل بطريقة أو بأخرى من معرفة موعد وصول هنية إلى طهران وتوقيت تحركاته بدقة متناهية، بما في ذلك مقر إقامته والطابق الذي سيسكنه تحديدًا والغرفة التي سيقيم فيها، وهو ما ساعدها على تنفيذ عملية الاغتيال بنجاح باهر، مما يثير تساؤلات جوهرية حول كيفية حصولها على هذه التفاصيل الدقيقة، وخلال العام الحالي، نجحت إسرائيل أيضًا في اغتيال العديد من القيادات الفلسطينية في غزة، وذلك باستخدام طائرات مسيرة وجهت ضربات دقيقة ومباشرة لهؤلاء القادة، وهذا يعني بشكل واضح أن إسرائيل كانت على علم بتفاصيل تحركاتهم، مثل توقيت دخولهم وخروجهم من المباني المستهدفة، وأنواع المركبات التي يستقلونها والوجهات التي يقصدونها.

تجلت قدرات إسرائيل أيضًا في تنفيذ عمليات اغتيال ناجحة لبعض القادة الفلسطينيين وقيادات من حزب الله في الشوارع العامة أثناء قيادتهم لسياراتهم، مما يشير بقوة إلى أن أجهزة الاتصال التي يستخدمها هؤلاء القادة مخترقة من قبل جهاز الموساد الإسرائيلي، وأن الموساد كان على علم مسبق بتحركاتهم وتفاصيل تنقلاتهم، فالحرب التي تشنها إسرائيل ضد خصومها هي حرب إلكترونية متطورة للغاية، ومن الصعب تصور أن إسرائيل بمفردها، دون دعم استخباراتي مكثف من الولايات المتحدة، قادرة على تنفيذ هذا الاختراق العميق والواسع.

تثير حادثة تفجير أجهزة البيجر، التي أسفرت عن مقتل العشرات وإصابة الآلاف، تساؤلات مقلقة، فالموساد الإسرائيلي كان على علم باحتياجات حزب الله لهذا النوع من الأجهزة، بل وعلى علم بالمورد والشركة المصنعة نفسها، ويُعتقد أن إسرائيل تمكنت من اختراق عملية التصنيع ووضع كمية من المتفجرات داخل هذه الأجهزة، كما كانت على دراية بالشفرة التي استطاعت من خلالها اختراق هذه الأجهزة إلكترونيًا وتفجيرها عن بعد، والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو كيفية استلام مسؤولي حزب الله لهذه الشحنة وتوزيعها على عناصرهم دون فحصها والتحقق من خلوها من أي مواد خطرة، وهو إجراء يفترض أنه من الأساسيات والبديهيات.

لا شك أن حادثة تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي في لبنان تحمل دلالة واضحة لا تقبل الشك، وهي أن نجاح إسرائيل في عمليات الاغتيال التي استهدفت القيادات الفلسطينية داخل غزة وخارجها، بالإضافة إلى كوادر حزب الله في لبنان، يعود إلى قدرتها الفائقة على اختراق أنظمة اتصالات القيادات الفلسطينية وكذلك حزب الله، وبالتالي كانت إسرائيل على علم بتحركاتهم ليس فقط من خلال الرسائل النصية، بل وربما بالصوت والصورة، ومن الأهمية بمكان استخلاص الدروس والعبر من هذا الصراع المرير، وهي أنه مهما بلغ تطور المنظومة العسكرية لأي طرف، فإنه لا قيمة لها على الإطلاق دون امتلاك نظام اتصالات آمن ومحصن يمنع الخصم من اختراقه بشكل كامل والوصول إلى معلوماته الحساسة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة